البنك المركزي (المصرف المركزي) - Central Bank

تمثّل البنوك إحدى أهمّ عناصر المنظومة الماليّة (Financial System) الّتي ترتكز عليها الدّول في أنظمتها الإقتصاديّة، وهنا يظهر دور البنك المركزيّ Central Bank الّذي يقوم بضبط النّظام النّقدي من جهة والإستقرار الإقتصاديّ من جهةٍ أخرى. فما هو البنك المركزيّ؟ 

لا يُوجد تعريف موّحد للبنك المركزيّ إذ قام خبراء الإقتصاد بتعريفه بطرقٍ مختلفة وترتكز كلّ منها على وظائف هذا البنك، فرأى كنت - Kent أنّه مؤسّسة مسؤولة عن إدارة توسيع وتقليص حجم المال في الدّولة لصالح الوضع الإقتصاديّ العامّ في البلد، واعتبره بول سامويلسون - Samuelson المسؤول عن السّيطرة على الإقتصاد وتوفير النقود والإئتمان، كذلك فيرا سميث - Vera Smith رأت أنّ البنك المركزيّ هو الّذي ينظّم السّياسة النقديّة ويعمل على استقرار النّظام المصرفيّ.

 كما عرّفه بنك التّسويات الدّوليّة - Bank of International Settlements على أنّه البنك الّذي ينظّم حجم العملة والائتمان في بلد ما أو مجموعة دول ذات اتحاد نقديّ. 

وبذلك مختلف التّعاريف تُجمع على أنّ البنك المركزيّ بطبيعته مؤسّسة مستقلّة تقف على رأس الجهاز المصرفيّ وتتولّى أمر السّياسة المصرفيّة والإئتمانيّة لدولة أو مجموعة دول ذات اتحاد نقديّ بما يترتّب على هذه السّياسة من تأثيرات هامّة إقتصاديًّا واجتماعيًّا. وهي غالبًا مؤسّسة حكوميّة مهيمنة على النّظام النقديّ والمصرفيّ للبلد، وإن لم تكن مملوكة للحكومة قانونًا فإنّ امتيازاتها تكون محميّة بموجب قانون، على أن تعيّن الحكومة رئيس البنك المركزيّ وأعضاء مجلس إدارته وتتفق كافة الأنظمة على إبعاد أيّ أجنبي عن العضويّة باستثناء بعض الدّول مثل شيلي، كولومبيا وتشكوسلوفاكيا وغيرها. 

نشأة البنك المركزي

عند النشأة، كان البنك المركزيّ بنكًا تجاريًّا منحته الحكومة بعض الإمتيازات كأن تخصّه بإصدار الأوراق الماليّة، وارتبط ظهوره برغبة الملوك بإيجاد مصدر تمويل إضافيّ للدّولة بسبب ازدياد نفقات الأخيرة سيّما على الحروب الّتي تُخاض ضدّ الدّول الأخرى ولتفادي اللّجوء إلى فرض ضرائب جديدة أو الإستدانة من الدّاخل أو الخارج. 

ظهر أوّل بنك مركزي فعّال في العالم في أوروبا عام 1694م وهو بنك إنجلترا لينتشر بعدها في كلّ من فرنسا، ألمانيا والولايات المتّحدة الأميريكيّة وغيرها من الدول، كما شهد العالم العربي نشأة العديد من البنوك المركزيّة سيّما في مصر والجزائر ولبنان وغيرها. وبدأت البنوك المركزيّة تشهد إنتشارًا واسعًا مع توصيات مؤتمر بروكسل في العام 1920م بضرورة تأسيس البنوك المركزيّة لتعزيز التّعاون الدّولي في مجال النقود، وقد وجدت هذه البنوك أنّ من دواعي نجاحها أن تتعاضد فيما بينها فتمّ إنشاء البنك المركزيّ الدّوليّ.

 وانحصر دور البنوك المركزيّة في البداية بإصدار الأوراق الماليّة الخاصّة بالدّولة أو الدّول التّابعة لها، غير أنّ مختلف الأزمات الإقتصاديّة أثّرت على تطوّر مهام هذه المؤسّسة. فما هي هذه المهام؟ 

مهام البنك المركزي

تتشابه وظائف البنوك المركزيّة في كلّ أنحاء العالم، وهذه الوظائف هي التّاليّة: 

1- إصدار البنكنوت: يُمارس البنك المركزيّ صلاحيّة إصدار الأوراق النقديّة بصورةٍ حصريّةٍ ويتحكّم بالكميّة الإجماليّة للعملة المتداولة على أن يكون مقيّد بقوانين معيّنة للمحافظة على ظروف إقتصاديّة سليمة من جهة وثقة الجمهور من جهةٍ أخرى. 

2- إدارة الاحتياطيّ: يقوم البنك المركزيّ بالمحافظة على مقابلات العملة ويحدّد سعر صرف العملة الوطنيّة مقابل العملات الأجنبيّة ويمكنه بيعها أو شرائها للتأثير على سعر الصّرف، وتختلف مقابلات العملة من دولةٍ إلى أخرى فقد تتمثّل بإحدى الصّور التّاليّة:

- الذّهب

- عملات أجنبيّة

- أذون الخزينة

3- إدراة الشّؤون النّقديّة للدّولة: يُمكن إيضاح هذه الوظيفة من خلال ما يلي:

- يحتفظ البنك المركزي بودائع الدّولة وحساباتها.

- مباشرة المدفوعات الحكوميّة.

- إقراض الدولة بآليّة محدّدة وضمن تشريعات قانونيّة سيّما في الدّول الناميّة. 

- يُساهم في خدمة الدّين العامّ. 

4- مراقبة أعمال البنوك التّجاريّة: عادةً ما يتمّ ذلك من خلال الموافقة على إنشاء هذه البنوك وتسجيلها ومتابعة أعمالها عبر:

- تخزين إحتياطات البنوك التجاريّة.

- إدارة أسعار الفائدة.

- الإشراف على عمليات المقاصة بين البنوك التّجاريّة.

- إقراض القطاع المصرفيّ خلال أوقات الإعسار المصرفيّ أو الأزمة الماليّة.

في ضوء ما سبق، يتبيّن أنّ البنك المركزيّ مؤسّسة ذات إستقلال إشرافي وموازناتي تّدير عملة الدّولة وتُحصّنها من أيّ أزمة إقتصاديّة وتضبط المعروض النّقدي للدّولة وأسعار الفائدة وتحديد متطلبات الاحتياطيّ والإشراف على البنوك التّجاريّة ومساندتها أوقات الأزمات. ونظرًا لذلك يقع على عاتق البنك المركزيّ التّواصل مع الجمهور وإطلاعه بشكل دوريّ على حالة الدّولة الإقتصاديّة إذ أنّ فعاليّة أيّ سياسة نقديّة أو إئتمانيّة تبقى رهينة الثّقة في قدرة البنوك المركزيّة على ضمان إستقرار سعر صرف العملة الوطنيّة وإستقرار الأسعار ومواجهة التقلّبات والأزمات الإقتصاديّة المتعاقبة.